فصل: (الشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَمْلُوكًا لِبَائِعِهِ وَقْتَ الْعَقْدِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.[الشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَمْلُوكًا لِبَائِعِهِ وَقْتَ الْعَقْدِ]:

الشَّرْطُ (الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ) الْمَبِيعُ (مَمْلُوكًا لِبَائِعِهِ) وَقْتَ الْعَقْدِ وَكَذَا الثَّمَنُ (مِلْكًا تَامًّا)؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» رَوَاه ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مِلْكًا تَامًّا الْمَوْقُوفُ عَلَى مُعَيَّنٍ، وَالْإِثَارَةُ الْحَاصِلَةُ مِنْ مُسْتَأْجِرِ أَرْضِ الْوَقْفِ، مِنْ حَرْثٍ وَزَرْعٍ؛ لِعَدَمِ حُصُولِ الْإِحْيَاءِ بِذَلِكَ، (بِخِلَافِ نَحْوِ مَكِيلٍ)؛ كَمَوْزُونٍ، وَمَعْدُودٍ، وَمَزْرُوعٍ (قَبْلَ قَبْضٍ)؛ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ حَتَّى يُقْبَضَ؛ لِعَدَمِ تَمَامِ الْمِلْكِ فِيهِ، (وَلَوْ) كَانَ الْمَالِكُ (أَسِيرًا)؛ فَيَصِحُّ بَيْعُهُ لِمِلْكِهِ، إذْ الْأَسْرُ لَا يُزِيلُ مِلْكَهُ، (أَوْ) يَكُونُ (مَأْذُونًا لَهُ فِيهِ)؛ أَيْ: الْبَيْعِ (مِنْ مَالِكٍ) وَقْتَ عَقْدٍ؛ لِقِيَامِ الْمَأْذُونِ لَهُ مَقَامَ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ يُنْزِلُهُ مَنْزِلَةَ نَفْسِهِ، (أَوْ) يَكُونُ مَأْذُونًا لَهُ مِنْ شَارِعٍ كَوَلِيٍّ صَغِيرٍ، وَنَاظِرِ وَقْفٍ (وَقْتَ عَقْدِ) الْبَيْعِ، (وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ) أَنَّهُ يَمْلِكُ ذَلِكَ. (فَلَوْ بَاعَ أَوْ رَهَنَ قِنًّا يَعْتَقِدُهُ مَغْصُوبًا، فَبَانَ) أَنْ مُورَثَهُ قَدْ مَاتَ، وَصَارَ الْقِنُّ (مِلْكَهُ) أَوْ لَمْ يَعْلَمْ مَأْذُونٌ لَهُ بِالْإِذْنِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ قَدْ وُكِّلَ فِيهِ؛ (صَحَّ) ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْمُعَامَلَاتِ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، لَا بِمَا فِي ظَنِّ الْمُكَلَّفِ. (فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُ فُضُولِيٍّ مُطْلَقًا)؛ أَيْ: بِبَيْعٍ، أَوْ شِرَاءٍ، أَوْ غَيْرِهِمَا، (وَلَوْ أُجِيزَ) تَصَرُّفُهُ (بَعْدَ) وُقُوعِهِ، (إلَّا إنْ اشْتَرَى) الْفُضُولِيُّ (فِي ذِمَّتِهِ) وَنَوَى الشِّرَاءَ لِشَخْصٍ لَمْ يُسَمِّهِ، فَيَصِحُّ، أَوْ اشْتَرَى بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ فِي ذِمَّتِهِ، وَدَفَعَهُ مِنْ (نَقْدٍ حَاضِرٍ، وَنَوَى) الشِّرَاءَ (لِشَخْصٍ لَمْ يُسَمِّهِ)؛ فَيَصِحُّ، سَوَاءٌ نَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ الَّذِي اشْتَرَى لَهُ، أَوْ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، أَوْ لَمْ يَنْقُدْهُ بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ فِي ذِمَّتِهِ، وَهِيَ قَابِلَةٌ لِلتَّصَرُّفِ، وَاَلَّذِي نَقَدَهُ إنَّمَا هُوَ عِوَضٌ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ فَإِنْ سَمَّاهُ فِي الْعَقْدِ؛ لَمْ يَصِحَّ، إنْ لَمْ يَكُنْ أَذِنَ. إنَّمَا أَخْرَجْتُ كَلَامَهُ عَنْ ظَاهِرِهِ لِيُوَافِقَ أَصْلَيْهِ، وَغَيْرَهُمَا مِنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ، فَإِنَّهُ مَتَى لَمْ يَكُنْ فِي الذِّمَّةِ؛ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. (ثُمَّ إنْ أَجَازَهُ) أَيْ: الشِّرَاءَ (مَنْ اُشْتُرِيَ لَهُ)، وَلَمْ يُسَمِّ (مِلْكَهُ مِنْ حِينِ شِرَاءٍ)؛ فَمَنَافِعُهُ وَنَمَاؤُهُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ اُشْتُرِيَ لِأَجْلِهِ، وَنَزَّلَ الْمُشْتَرِي نَفْسَهُ مَنْزِلَةَ الْوَكِيلِ، (وَإِلَّا) يُجْزِهِ مَنْ اُشْتُرِيَ لَهُ؛ (وَقَعَ) الشِّرَاءُ (لِمُشْتَرٍ، وَلَزِمَهُ) حُكْمُهُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَنْوِ غَيْرَهُ، (وَلَيْسَ لَهُ)؛ أَيْ: الْمُشْتَرِي (تَصَرُّفٌ فِيهِ)؛ أَيْ: الْمَبِيعِ (قَبْلَ)؛ أَيْ: قَبْلَ عَرْضِهِ عَلَى مَنْ اُشْتُرِيَ لَهُ. (وَإِنْ حَكَمَ بِصِحَّةِ) عَقْدٍ (مُخْتَلَفٍ فِيهِ) مَنْ يَرَاهُ (كَتَصَرُّفِ فُضُولِيٍّ أُجِيزَ؛ صَحَّ) الْعَقْدُ، وَاعْتُبِرَتْ آثَارُهُ مِنْ حِينِ (حَكَمَ) لَا مِنْ حِينِ (عَقَدَ). ذَكَرَهُ الْقَاضِي فَالْمُخْتَلَفُ فِيهِ بَاطِلٌ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ إلَى الْحُكْمِ. (وَلَا) يَصِحُّ (بَيْعُ مَا)؛ أَيْ: شَيْءٍ مُعَيَّنٍ (لَا يَمْلِكُهُ) الْبَائِعُ، وَلَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ (كَحُرٍّ، وَمُبَاحٍ قَبْلَ حِيَازَتِهِ)؛ لِحَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ مَرْفُوعًا: «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» رَوَاه ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ. (إلَّا مَوْصُوفًا) بِصِفَاتِ سَلَمٍ (لَمْ يُعَيَّنْ)؛ فَيَصِحُّ؛ لِقَبُولِ ذِمَّتِهِ لِلتَّصَرُّفِ (إذَا قَبَضَ) الْمَبِيعَ، (أَوْ) قَبَضَ (ثَمَنَهُ بِمَجْلِسِ عَقْدٍ)، فَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ أَحَدُهُمَا فِيهِ؛ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَقَدْ نُهِيَ عَنْهُ. (وَلَا) يَصِحُّ (بِلَفْظِ) سَلَفٍ، أَوْ (سَلَمٍ)- وَلَوْ قَبَضَ ثَمَنَهُ بِمَجْلِسِ عَقْدٍ-؛ لِأَنَّ السَّلَمَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ أَجَلٍ مَعْلُومٍ. (وَالْمَوْصُوفُ الْمُعَيَّنُ، كَبِعْتُكَ عَبْدِي فُلَانًا، وَيَسْتَقْصِي صِفَتَهُ) بِكَذَا؛ فَيَصِحُّ (وَيَجُوزُ تَفَرُّقٌ) فِيهِ (قَبْلَ قَبْضٍ) لَهُ، أَوْ لِثَمَنِهِ؛ كَمَبِيعٍ (حَاضِرٍ) بِالْمَجْلِسِ؛ كَأَمَةٍ مَلْفُوفَةٍ بِيعَتْ بِالصِّفَةِ (وَيَنْفَسِخُ عَقْدٌ عَلَيْهِ بِرَدِّهِ؛ لِفَقْدِ صِفَةٍ) مِنْ الصِّفَاتِ الْمَشْرُوطَةِ فِيهِ؛ لِوُقُوعِ الْعَقْدِ عَلَى عَيْنِهِ. بِخِلَافِ الْمَوْصُوفِ فِي الذِّمَّةِ؛ فَلَهُ رَدُّهُ، وَطَلَبُ بَدَلِهِ.
(وَ) يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ عَلَى مَوْصُوفٍ (بِتَلَفٍ قَبْلَ قَبْضٍ)؛ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْعَقْدِ. (بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ)، وَهُوَ الْمَوْصُوفُ فِي الذِّمَّةِ: (وَيَجُوزُ تَقَدُّمُ) ذِكْرِ (صِفَةٍ فِيهِمَا)؛ أَيْ: فِي الْمُعَيَّنِ، وَالْمَوْصُوفِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ (عَلَى عَقْدٍ)؛ كَمَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي (سَلَمٍ)؛ كَأَنْ يَقُولَ بَائِعٌ: (بِعْتُكَ) صَاعَ بُرٍّ صِفَتُهُ كَذَا، (أَوْ) يَقُولَ مُشْتَرٍ: (أُرِيدُ أَنْ أُسَلِّفُكَ فِي صَاعِ بُرٍّ، وَوَصَفَهُ) بِصِفَاتٍ، (ثُمَّ يَقُولُ أَسْلَفْتُكَ فِيهِ) عَلَى الصِّفَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ، (أَوْ) يَقُولُ مُشْتَرٍ: (اشْتَرَيْتُ عَلَى الصِّفَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ)؛ فَيَصِحُّ ذَلِكَ. (وَلَا) يَصِحُّ (بَيْعُ أَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ بِمَا فُتِحَ عَنْوَةً)، وَلَمْ يُقَسَّمْ بَيْنَ الْفَاتِحِينَ؛ كَمَزَارِعِ (مِصْرَ وَالشَّامِ) وَمَا جَلَا أَهْلُهَا عَنْهَا خَوْفًا مِنَّا، أَوْ صُولِحُوا عَلَى أَنَّهَا لَهُمْ، وَلَنَا الْخَرَاجُ عَلَيْهَا؛ (لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) وَقَفَهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ؛ (وَكَذَا الْعِرَاقُ) لِأَنَّهَا مَوْقُوفَةٌ أُقِرَّتْ بِأَيْدِي أَهْلِهَا بِالْخَرَاجِ. هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَعَنْهُ يَصِحُّ. ذَكَرَهَا الْحَلْوَانِيُّ، وَاخْتَارَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَذَكَرَهُ قَوْلًا عِنْدَنَا.
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: قُلْتُ: وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ فِي زَمَنِنَا، وَقَدْ جَوَّزَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ إصْدَاقَهَا، وَقَالَهُ الْمَجْدُ. (غَيْرَ الْحِيرَةِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، مَدِينَةٍ قُرْبَ الْكُوفَةِ، وَغَيْرَ أُلَّيْسٍ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ، وَتَشْدِيدِ اللَّامِ، بَعْدَهَا يَاءٌ سَاكِنَةٌ، ثُمَّ سِينٌ مُهْمَلَةٌ، مَدِينَةٍ بِالْجَزِيرَةِ، وَغَيْرَ (بانقيا) بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، وَبَعْدَ الْأَلْفِ نُونٌ مَكْسُورَةٌ، ثُمَّ قَافٌ سَاكِنَةٌ، مُثَنَّاةٌ تَحْتِيَّةٌ، نَاحِيَةٍ بِالنَّجَفِ، دُونَ الْكُوفَةِ، وَغَيْرَ (أَرْضٍ بِنَحْوِ صَلُوبًا)، بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ، وَضَمِّ اللَّامِ، بَعْدَهَا وَاوٌ سَاكِنَةٌ، تَلِيهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ؛ (لِفَتْحِهَا)، أَيْ: هَذِهِ الْأَمَاكِنِ (صُلْحًا، فَهِيَ كَمَنْ أَسْلَمَ أَهْلُهَا عَلَيْهَا)؛ كَأَرْضِ الْمَدِينَةِ؛ فَإِنَّهَا مِلْكُ أَرْبَابِهَا، (إلَّا الْمَسَاكِنَ)، وَلَوْ مِمَّا فُتِحَ عَنْوَةً، فَيَصِحُّ بَيْعُهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ حَالَ الْفَتْحِ مَوْجُودَةً، أَوْ حَدَثَتْ بَعْدَ ذَلِكَ، (وَلَوْ حَدَثَتْ بَعْدَ فَتْحٍ، وَآلَتُهَا) أَيْ الْمَسَاكِنِ (مِنْهَا) أَيْ مِنْ أَرْضِ الْعَنْوَةِ، أَوْ مِنْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ اقْتَطَعُوا الْخِطَطَ فِي الْكُوفَةِ، وَالْبَصْرَةِ فِي زَمَنِ عُمَرَ، وَبَنَوْهَا مَسَاكِنَ، وَتَبَايَعُوهَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَكَغَرْسٍ مُتَجَدِّدٍ. (وَيَتَّجِهُ فِي مَسَاكِنَ) فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ إذَا (بِيعَتْ، فَلَا تَدْخُلُ الْأَرْضُ تَبَعًا) لَهَا، بَلْ الْأَرْضُ تَبْقَى وَقْفًا؛ كَالْمَزَارِعِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الِاتِّجَاهِ مِنْ الْغَفْلَةِ عَمَّا أَسْلَفَهُ فِي بَابِ الْأَرَضِينَ الْمَغْنُومَةِ، حَيْثُ قَالَ: وَكَانَ أَحْمَدُ يَمْسَحُ دَارِهِ، وَيَخْرُجُ عَنْهَا وَرَعًا؛ لِأَنَّ بَغْدَادَ حِينَ فُتِحَتْ كَانَتْ مَزَارِعَ؛ فَمُقْتَضَى كَلَامِهِ وَغَيْرِهِ هُنَاكَ؛ أَنَّ الْمَوْقُوفَ إنَّمَا هُوَ الْمَزَارِعُ فَقَطْ، وَلِذَلِكَ حُمِلَ فِعْلُ الْإِمَامِ عَلَى الْوَرَعِ، كَمَا حَمَلَهُ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ؛ وَلِذَلِكَ لَمْ يَأْمُرْ أَهْلَ بَغْدَادَ بِإِخْرَاجِ شَيْءٍ عَنْ أَرْضِ الْمَسَاكِنِ، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا تَرَكَ الْأَمْرَ بِهِ؛ إذْ هُوَ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَوْ أَمَرَ بِهِ لَنُقِلَ عَنْهُ، وَاشْتُهِرَ. وَاَلَّذِي عَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ مِنْ أَزْمِنَةٍ مُتَطَاوِلَةٍ؛ أَنَّ الْمَسَاكِنَ مَمْلُوكَةٌ أَرْضًا وَبِنَاءً وَلَمْ تَزَلْ تُبَاعُ، وَتُوهَبُ وَتُوقَفُ، وَتَثْبُتُ فِيهَا الشُّفْعَةُ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ. (وَيَصِحُّ بَيْعُ إمَام لَهَا)؛ أَيْ: الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ مِمَّا فُتِحَ عَنْوَةً (لِمَصْلَحَةٍ) رَآهَا؛ كَاحْتِيَاجِهَا لِلْعِمَارَةِ، وَلَا يَعْمُرُهَا إلَّا مَنْ يَشْتَرِيهَا؛ كَصِحَّةِ (وَقْفِهِ) لَهَا، (وَإِقْطَاعِهِ) إيَّاهَا (تَمْلِيكًا)؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْإِمَامِ كَحُكْمِهِ. وَحُكْمُهُ بِذَلِكَ يَصِحُّ كَبَقِيَّةِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، هَذَا مَعْنَى مَا عَلَّلَ بِهِ فِي الْمُغْنِي صِحَّةَ الْبَيْعِ مِنْهُ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْإِمَامُ يَرَى صِحَّةَ بَيْعِهِ، أَوْ وَقْفِهِ، وَإِلَّا فَلَا يَنْفُذُ حُكْمُ حَاكِمٍ بِمَا يَعْتَقِدُ خِلَافَهُ. وَفِي صِحَّةِ الْوَقْفِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ إمَّا مَوْقُوفَةٌ؛ فَلَا يَصِحُّ وَقْفُهَا ثَانِيًا، أَوْ فَيْءٌ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَالْوَقْفُ شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَالِكٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْوَقْفَ هُنَا مِنْ قَبِيلِ الْإِرْصَادِ وَالْإِفْرَازِ لِشَيْءٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى بَعْضِ مُسْتَحِقِّيهِ، لِيَصِلُوا إلَيْهِ بِسُهُولَةٍ. (أَوْ)؛ أَيْ: وَيَصِحُّ بَيْعُهَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ (غَيْرَ إمَامٍ، وَحَكَمَ بِهِ)؛ أَيْ: الْبَيْعِ (مَنْ يَرَى صِحَّتَهُ)؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ؛ فَنَفَذَ كَسَائِرِ مَا فِيهِ اخْتِلَافٌ. (وَتَصِحُّ إجَارَتُهَا)؛ أَيْ: الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ مِمَّا فُتِحَ عَنْوَةً، مُدَّةً مَعْلُومَةً، بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ إقْرَارِهَا بِأَيْدِيهِمْ، وَضَرَبَ عُمَرُ الْخَرَاجَ عَلَيْهَا، وَجَعَلَهُ أُجْرَةً لَهَا. وَالْمُسْتَأْجِرُ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ (وَلَا) يَصِحُّ (بَيْعُ) رِبَاعِ مَكَّةَ وَالْحَرَمِ، (وَلَا إجَارَةُ رِبَاعِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ (مَكَّةَ)، وَلَا رِبَاعِ الْحَرَمِ (وَهِيَ)؛ أَيْ: الرِّبَاعُ (الْمَنَازِلُ، وَكَذَا بِقَاعُ الْمَنَاسِكِ) كَالْمَسْعَى، وَالْمَرْمَى وَالْمَوْقِفِ، وَنَحْوِهَا، وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِ بِقَاعِ الْمَنَاسِكِ (أَوْلَى) مِنْ الْقَوْلِ بِعَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِ رِبَاعِ مَكَّةَ؛ (إذْ هِيَ)؛ أَيْ: بِقَاعُ الْمَنَاسِكِ؛ (كَالْمَسَاجِدِ)؛ لِعُمُومِ نَفْعِهَا؛ لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَكَّةَ: لَا تُبَاعُ رِبَاعُهَا، وَلَا تُكْرَى بُيُوتُهَا»، رَوَاهُ الْأَثْرَمُ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ مَرْفُوعًا: «مَكَّةُ حَرَامٌ بَيْعُ رِبَاعِهَا، وَحَرَامٌ إجَارَتُهَا» رَوَاه سَعِيدٌ وَرُوِيَ أَنَّهَا كَانَتْ تُدْعَى السَّوَائِبَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَهُ مُسَدَّدٌ فِي مُسْنَدِهِ. (وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيلُ) عَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِ الرِّبَاعِ وَالْحَرَمِ، وَإِجَارَتِهِمَا (بِفَتْحِهَا عَنْوَةً، بَلْ لِلنَّهْيِ) الْمَذْكُورِ، (خِلَافًا لَهُمَا)؛ أَيْ: لِلْمُنْتَهَى وَالْإِقْنَاعِ حَيْثُ عَلَّلَا عَدَمَ الصِّحَّةِ بِفَتْحِهَا عَنْوَةً.
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: إنَّمَا حُرِّمَ بَيْعُ رِبَاعِهَا، وَإِجَارَتُهُ؛ لِأَنَّ الْحَرَمَ حَرِيمُ الْبَيْتِ، وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَقَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ، فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ التَّخْصِيصُ بِمِلْكِهِ، وَتَحْجِيرِهِ، لَكِنْ إنْ احْتَاجَ إلَى مَا فِي يَدِهِ مِنْهُ سَكَنَهُ، وَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْهُ وَجَبَ بَذْلُ فَاضِلِهِ لِلْمُحْتَاجِ إلَيْهِ، وَهُوَ مَسْلَكُ ابْنِ عَقِيلٍ فِي نَظَرِيَّاتِهِ وَسَلَكَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ انْتَهَى.
وَعَلَّلَ الشَّارِحُ بِالنَّهْيِ وَالْفَتْحِ عَنْوَةً، فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ فَتْحَ الْعَنْوَةِ فَقَطْ؛ لَيْسَ كَافِيًا فِي الْعِلَّةِ. وَدَلِيلُ أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ، وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَا تَحِلَّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (فَإِنْ سَكَنَ بِأُجْرَةٍ) فِي رِبَاعِ مَكَّةَ، (لَمْ يَأْثَمْ بِدَفْعِهَا)، صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ. (وَيَجِبُ بَذْلُ فَاضِلِ مَسْكَنٍ لِمُحْتَاجٍ مَجَّانًا)؛ لِمَا تَقَدَّمَ؛ (وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (مَاءٍ عِدٍّ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ، وَتَشْدِيدِ الدَّالِ؛ أَيْ: الَّذِي لَهُ مَادَّةٌ لَا تَنْقَطِعُ، مَا لَمْ يَحُزْهُ؛ (كَمَاءِ عَيْنٍ)، (وَنَفْعِ بِئْرٍ)؛ لِحَدِيثِ: «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ، فِي الْمَاءِ وَالْكَلَإِ، وَالنَّارِ» رَوَاه أَبُو عُبَيْدٍ، وَالْأَثْرَمُ. (وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (مَعْدِنٍ جَارٍ) إذَا أُخِذَ مِنْهُ شَيْءٌ خَلَفَهُ غَيْرُهُ (فَقَطْ)، بِخِلَافِ الْجَامِدِ؛ فَإِنَّهُ يُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَرْضِ، وَيَأْتِي مِثَالُ الْمَعْدِنِ الْجَارِي؛ (كَقَارٍ، وَمِلْحٍ، وَنِفْطٍ) مَا لَمْ يَحُزْهُ؛ لِأَنَّ نَفْعَهُ يَعُمُّ؛ فَلَا يُمْلَكُ؛ كَالْمَاءِ الْعِدِّ. (وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (نَابِتٍ مِنْ كَلَأٍ وَشَوْكٍ، وَنَحْوِهِ)؛ كَأُشْنَانٍ نَابِتٍ فِي أَرْضٍ قَبْلَ حِيَازَتِهِ، وَطَائِرٍ عَشَّشَ فِي أَرْضِهِ وَلَوْ مَحُوطَةً، وَسَمَكٍ نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ بِأَرْضِهِ (مَا لَمْ يَحُزْهُ)؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْلَكُ إلَّا بِالْحَوْزِ، فَإِذَا حَازَهُ (وَلَوْ بِمَصَانِعَ مُعَدَّةٍ) مَلَكَهُ بِمُجَرَّدِ حُصُولِهِ فِيهَا؛ (فَلَا يَدْخُلُ) شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ (فِي بَيْعِ أَرْضٍ)؛ لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يُحَازَ، (وَلَكِنَّ مُشْتَرِيَهَا)؛ أَيْ: الْأَرْضِ (أَحَقُّ بِهِ) أَيْ: بِمَا فِي الْأَرْضِ؛ لِكَوْنِهِ فِي أَرْضِهِ، (وَمَنْ أَخَذَهُ مَلَكَهُ) بِحَوْزِهِ، وَجَازَ لَهُ بَيْعُهُ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمَاءِ إلَّا مَا حُمِلَ مِنْهُ» رَوَاه أَبُو عُبَيْدَةَ فِي الْأَمْوَالِ. وَفِي مَعْنَاهُ الْكَلَأُ، وَالشَّوْكُ، وَنَحْوُهُ وَالْمَعْدِنُ الْجَارِي. (وَحُرِّمَ دُخُولٌ لِأَجْلِ أَخْذِ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّ الْأَرْضِ إنْ حُوِّطَتْ)؛ لِتُعَدِّيهِ بِتَصَرُّفِهِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَلَوْ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مَلَكَهُ مَعَ تَحْرِيمِ الدُّخُولِ، (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تُحَوَّطْ؛ (جَازَ) دُخُولُهُ لِأَخْذِهِ لِدَلَالَةِ الْحَالِ عَلَى الْإِذْنِ فِيهِ (بِلَا ضَرَرٍ) عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ، فَإِنْ تَضَرَّرَ بِالدُّخُولِ حُرِّمَ. (وَحُرِّمَ) عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ (مَنْعُ مُسْتَأْذِنٍ) فِي دُخُولٍ (إذَنْ). (وَيَتَّجِهُ) وَلِمُسْتَأْذِنٍ مُنِعَ مِنْ دُخُولِ أَرْضِ الْغَيْرِ، أَنْ (يَدْخُلَ قَهْرًا)، وَيَأْخُذَ مَا يَحْتَاجُهُ مِمَّا فِيهَا مِنْ الْمُبَاحِ، إنْ لَمْ يَحْصُلْ ضَرَرٌ بِدُخُولِهِ، فَإِنْ حَصَلَ ضَرَرٌ، فَلَيْسَ لَهُ الدُّخُولُ؛ لِحَدِيثِ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ». وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَطُلُولٌ) جَمْعُ طَلٍّ- وَهُوَ الْمَطَرُ الْخَفِيفُ- (يَجْنِي)، أَيْ: يَتَغَذَّى (نَحْلٌ مِنْهَا)؛ أَيْ: الطُّلُولِ، عَلَى الزَّهْرِ وَالشَّجَرِ مِنْ النَّدَى، (كَكَلَأٍ) فِي الْحُكْمِ، (وَأَوْلَى) بِالْإِبَاحَةِ مِنْ الْكَلَأِ، (وَنَحْلُ رَبِّ الْأَرْضِ أَحَقُّ بِهِ)؛ أَيْ: بَطَلَ فِي أَرْضِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي مِلْكِهِ، (لَكِنْ لَا شَيْءَ) لِمَالِكِ أَرْضٍ (عَلَى رَبِّ نَحْلِ غَيْرِهِ)، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُنْقِصُ مِنْ مِلْكِهِ شَيْئًا، وَلَا يَكَادُ يَجْتَمِعُ مِنْهُ مَا يَعْدِلُ شَيْئًا إلَّا بِمَشَقَّةٍ.

.(فَرْعٌ): [بَيْعُ دَارٍ تَسْتَحِقُّ زَوْجَةٌ مُعْتَدَّةٌ لِوَفَاةِ زَوْجِهَا سُكْنَاهَا]:

يَصِحُّ بَيْعُ دَارٍ تَسْتَحِقُّ زَوْجَةٌ (مُعْتَدَّةٌ لِوَفَاةِ) زَوْجِهَا (سُكْنَاهَا)؛ أَيْ: الدَّارِ، (وَهِيَ)؛ أَيْ: الزَّوْجَةُ (حَامِلٌ)؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهَا لِمَنَافِعِ الدَّارِ، لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ بَيْعِ عَيْنِهَا، كَالْمُؤَجَّرَةِ، (خِلَافًا لِلْمُوَفَّقِ) فَإِنَّهُ قَالَ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ.

.[الشَّرْطُ الْخَامِسُ: الْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِهِ]:

الشَّرْطُ (الْخَامِسُ: الْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِهِ):
أَيْ: الْمَبِيعِ، وَكَذَا الثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَقْدُورِ عَلَى تَسْلِيمِهِ كَالْمَعْدُومِ، (فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ نِصْفِ مُعَيَّنٍ مِنْ نَحْوِ إنَاءٍ وَسَيْفٍ) مِمَّا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ لَوْ كُسِرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ مُفْرَدًا إلَّا بِإِتْلَافِهِ وَإِخْرَاجِهِ عَنْ الْمَالِيَّةِ. وَلَا بَيْعُ نِصْفِ مُعَيَّنٍ مِنْ (حَيَوَانٍ)، بِخِلَافِ بَيْعِ جُزْءٍ مُشَاعًا؛ فَيَصِحُّ. وَلَا بَيْعُ (دَيْنٍ) كُلِّهِ أَوْ جُزْءٍ مِنْهُ (لِغَيْرِ مَدِينٍ)؛ لِلنَّهْيِ عَنْهُ، (وَلَا) بَيْعُ قِنٍّ (آبِقٍ)؛ لِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِهِ، وَلَا نَحْوُ جَمَلٍ (شَارِدٍ) عُلِمَ مَكَانُهُ، أَوْ لَا؛ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ». وَفَسَّرَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ بِمَا تَرَدَّدَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَظْهَرَ، (وَلَوْ) كَانَ بَيْعُ آبِقٍ وَشَارِدٍ (لِقَادِرٍ عَلَى تَحْصِيلِهِمَا)؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ تَوَهُّمٍ لَا يُنَافِي تَحَقُّقَ عَدَمِهِ وَلَا ظَنَّهُ، بِخِلَافِ ظَنِّ الْقُدْرَةِ عَلَى تَحْصِيلِ مَغْصُوبٍ. (وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (سَمَكٍ بِمَاءٍ)؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ (إلَّا) سَمَكًا (مَرْئِيًّا) لِصَفَاءِ الْمَاءِ (بِمَاءٍ مَحُوزٍ يَسْهُلُ أَخْذُهُ مِنْهُ)؛ كَحَوْضٍ؛ فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مُمْكِنٌ تَسْلِيمُهُ، كَمَا لَوْ كَانَ بِطَشْتٍ، فَإِنْ لَمْ يَسْهُلْ بِحَيْثُ يَعْجَزُ عَنْ تَسْلِيمِهِ؛ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ مَرْئِيًّا، أَوْ لَمْ يَكُنْ بِمَحُوزٍ كَمُتَّصِلٍ بِنَهْرٍ. (وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (طَائِرٍ) بِمَوْضِعٍ (يَصْعُبُ أَخْذُهُ) مِنْهُ؛ كَكَوْنِهِ عَلَى سَطْحٍ، وَلَوْ أَلِفَ الرُّجُوعَ، (أَوْ) كَانَ الطَّائِرُ (فِي الْهَوَاءِ، وَأَلِفَ الرُّجُوعَ)؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ، (إلَّا) إذَا كَانَ بِمَكَانٍ مُغْلَقٍ- وَلَوْ طَالَ زَمَنُ تَحْصِيلِهِمَا-؛ أَيْ: السَّمَكِ وَالطَّائِرِ؛ لِأَنَّهُ مَقْدُورٌ عَلَى تَسْلِيمِهِ. (وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (مَغْصُوبٍ إلَّا لِغَاصِبِهِ) الَّذِي لَمْ يَقْصِدْ بِغَصْبِهِ الِاسْتِيلَاءَ عَلَيْهِ حَتَّى يَبِيعَهُ لَهُ رَبُّهُ؛ لِانْتِفَاءِ الْغَرَرِ (أَوْ لِقَادِرٍ عَلَى أَخْذِهِ)؛ أَيْ: الْمَغْصُوبِ مِنْ غَاصِبِهِ؛ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ لِعَدَمِ الْغَرَرِ (وَلَهُ)؛ أَيْ: الْمُشْتَرِي الَّذِي كَانَ قَادِرًا حِينَهُ (الْفَسْخُ إنْ عَجَزَ) عَنْ تَحْصِيلِ الْمَغْصُوبِ؛ لِتَأَخُّرِ التَّسْلِيمِ.

.[الشَّرْطُ السَّادِسُ: مَعْرِفَةُ الْمَبِيعِ]:

الشَّرْطُ (السَّادِسُ: مَعْرِفَةُ مَبِيعٍ):
لِأَنَّ الْجَهَالَةَ بِهِ غَرَرٌ، وَلِأَنَّهُ بَيْعٌ، فَلَمْ يَصِحَّ مَعَ الْجَهْلِ بِالْمَبِيعِ، كَالْمُسْلَمِ وقَوْله تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} مَخْصُوصٌ بِمَا إذَا عُلِمَ الْمَبِيعُ، وَحَدِيثُ: «مَنْ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ» يَرْوِيهِ عُمَرُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْكُرْدِيُّ، وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَيَحْتَمِلُ مَعْنَاهُ إذَا أَرَادَ شِرَاءَهُ، فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْعَقْدِ عَلَيْهِ وَتَرْكِهِ، (بِرُؤْيَةِ مُتَعَاقِدَيْنِ) بَائِعٍ وَمُشْتَرٍ بِرُؤْيَةٍ يُعْرَفُ بِهَا الْمَبِيعُ، مُقَارَنَةً رُؤْيَتُهُ لِلْعَقْدِ، بِأَنْ لَا تَتَأَخَّرَ عَنْهُ، فَإِنْ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ، وَلَمْ يُوصَفْ لَهُ، أَوْ رَآهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ مَا هُوَ، أَوْ ذُكِرَ لَهُ مِنْ صِفَتِهِ مَا لَا يَكْفِي فِي السَّلَمِ؛ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ، وَمِثْلُهُ الْبَائِعُ إذَا بَاعَ مَا لَمْ يَرَهُ، وَلَمْ يُوصَفْ لَهُ؛ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ؛ لِنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ، وَلِأَنَّهُ بَيْعٌ، فَلَمْ يَصِحَّ مَعَ الْجَهْلِ بِصِفَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَأَشْبَهَ الْمُشْتَرِيَ، وَلِأَنَّ الْبَيْعَ يُعْتَبَرُ فِيهِ الرِّضَا مِنْهُمَا، فَتُعْتَبَرُ الرُّؤْيَةُ الَّتِي هِيَ مَظِنَّةُ الرِّضَا مِنْهُمَا (لِجَمِيعِهِ)؛ أَيْ: الْمَبِيعِ مُتَعَلِّقٌ بِرُؤْيَةٍ؛ لِوَجْهَيْ ثَوْبٍ مَنْقُوشٍ (أَوْ) بِرُؤْيَةِ (بَعْضٍ) مِنْ مَبِيعٍ (يَدُلُّ عَلَى بَقِيَّتِهِ)؛ كَرُؤْيَةِ (أَحَدِ وَجْهَيْ ثَوْبٍ غَيْرِ مَنْقُوشٍ)، وَرُؤْيَةِ (وَجْهِ رَقِيقٍ)، وَرُؤْيَةِ (ظَاهِرِ صُبْرَةٍ مُتَسَاوِيَةِ الْأَجْزَاءِ مِنْ حَبٍّ وَثَمَرٍ)، وَرُؤْيَةِ (مَا فِي ظُرُوفٍ) وَأَعْدَالٍ (مِنْ جِنْسٍ مُتَسَاوِي) الْأَجْزَاءِ وَنَحْوِهَا؛ لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِالْمَبِيعِ بِذَلِكَ؛ (فَلَا يَصِحُّ) الْبَيْعُ (إنْ سَبَقَتْ رُؤْيَةٌ) مِنْ مُشْتَرٍ (الْعَقْدَ)؛ أَيْ: عَقْدَ الْبَيْعِ، (بِزَمَنٍ يَتَغَيَّرُ فِيهِ مَبِيعٌ) ظَاهِرًا (وَلَوْ) كَانَ التَّغَيُّرُ فِيهِ (شَكًّا)؛ بِأَنْ مَضَى زَمَنٌ يَشُكُّ فِي تَغَيُّرِهِ تُغَيِّرَا ظَاهِرًا فِيهِ فِي وُجُودِ شَرْطِهِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، فَإِنْ سَبَقَتْ الْعَقْدَ بِزَمَنٍ لَا يَتَغَيَّرُ فِيهِ عَادَةً تَغَيُّرًا ظَاهِرًا صَحَّ الْبَيْعُ؛ لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِالْمَبِيعِ بِتِلْكَ الرُّؤْيَةِ، وَلَا حَدَّ لِذَلِكَ الزَّمَنِ؛ إذْ الْمَبِيعُ مِنْهُ مَا يُسْرِعُ مِنْ تَغَيُّرِهِ، وَمَا يَتَبَاعَدُ، وَمَا يَتَوَسَّطُ، فَيَتَغَيَّرُ كُلٌّ بِحَسَبِهِ. (وَلَا إنْ أَرَاهُ صَاعًا) مِنْ صُبْرَةٍ، (وَيَبِيعُهُ الصُّبْرَةَ عَلَى أَنَّهَا مِنْ جِنْسِهِ)؛ فَلَا يَصِحُّ؛ لِعَدَمِ رُؤْيَةِ الْمَبِيعِ وَقْتَ الْعَقْدِ، (وَهُوَ بَيْعُ النَّمُوذَجِ) بِفَتْحِ النُّونِ، مِثَالُ الشَّيْءِ، مُعَرَّبٌ، وَالْأُنْمُوذَجُ لَحْنٌ، قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ. (وَلَا) يَصِحُّ (إنْ قَالَ): بِعْتُكَ (هَذَا الْبَغْلَ، فَبَانَ فَرَسًا أَوْ) قَالَ: بِعْتُكَ هَذَا (الزَّيْتَ، فَبَانَ شَيْرَجًا)، أَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذَا (الثَّوْبَ الْقُطْنَ، فَبَانَ كَتَّانًا) بِضَمِّ الْكَافِ، (وَنَحْوُهُ)؛ كَبِعْتُك هَذِهِ النَّاقَةَ، فَتَبَيَّنَ جَمَلًا؛ لِلْجَهْلِ بِالْمَبِيعِ (وَكَرُؤْيَتِهِ)؛ أَيْ: الْمَبِيعِ (مَعْرِفَتُهُ بِلَمْسٍ أَوْ شَمٍّ، أَوْ ذَوْقٍ) فِيمَا يُعْرَفُ بِهَذِهِ؛ لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِحَقِيقَةِ الْمَبِيعِ. (أَوْ) مَعْرِفَةُ الْمَبِيعِ (بِوَصْفِ مَا) أَيْ: مَبِيعٍ (يَصِحُّ سَلَمٌ فِيهِ، بِمَا)؛ أَيْ: وَصْفٍ (يَكْفِي فِيهِ) أَيْ: السَّلَمُ، بِأَنْ يَذْكُرَ مَا يَخْتَلِفُ بِهِ الثَّمَنُ غَالِبًا، وَيَأْتِي فِي السَّلَمِ؛ لِقِيَامِ ذَلِكَ مَقَامَ رُؤْيَتِهِ فِي حُصُولِ الْعِلْمِ بِهِ، فَالْبَيْعُ بِالْوَصْفِ مَخْصُوصٌ بِمَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ. وَيَصِحُّ تَقَدُّمُ الْوَصْفِ عَلَى الْعَقْدِ فِي الْبَيْعِ وَالسَّلَمِ؛ كَتَقَدُّمِ الرُّؤْيَةِ فِي الْعَقْدِ؛ (فَيَصِحُّ بَيْعُ أَعْمَى وَشِرَاؤُهُ فِي نَحْوِ) مَبِيعٍ (مَذُوقٍ) وَمَشْمُومٍ وَمَلْمُوسٍ، عَرَفَهُ بِذَوْقٍ أَوْ شَمٍّ أَوْ لَمْسٍ؛ كَمَا يَصِحُّ (تَوْكِيلُهُ)؛ أَيْ: الْأَعْمَى فِي بَيْعٍ وَشِرَاءٍ، سَوَاءً كَانَ يَصِحُّ مِنْهُ أَوْ لَا. (ثُمَّ إنْ وَجَدَ) مُشْتَرٍ (مَا وُصِفَ) لَهُ، (أَوْ تَقَدَّمَتْ رُؤْيَتُهُ) الْعَقْدَ بِزَمَنٍ (يَسِيرٍ) لَا يَتَغَيَّرُ فِيهِ الْمَبِيعُ تَغَيُّرًا ظَاهِرًا (مُتَغَيِّرًا فَلِمُشْتَرٍ الْفَسْخُ)؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ عَيْبِهِ، (وَيَحْلِفُ) مُشْتَرٍ (إنْ اخْتَلَفَا) فِي نَقْصِهِ صِفَةً، أَوْ تَغَيُّرِهِ عَمَّا كَانَ رَآهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ مِنْ الثَّمَنِ، وَهُوَ عَلَى التَّرَاخِي؛ (فَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا) مِنْ مُشْتَرٍ بِنَقْصِ صِفَتِهِ أَوْ تَغَيُّرِهِ (مِنْ سَوْمٍ وَنَحْوِهِ) كَوَطْءِ أَمَةٍ بِيعَتْ كَذَلِكَ، فَيَسْقُطُ خِيَارُهُ لِذَلِكَ، وَ(لَا) يَسْقُطُ خِيَارُهُ (إنْ اسْتَعْمَلَهُ)؛ أَيْ: الْبَيْعَ الْمَوْصُوفَ، أَوْ الْمُتَقَدِّمَةَ رُؤْيَتُهُ (بِطَرِيقِ رَدٍّ؛ كَرُكُوبِ دَابَّةٍ) لِيَرُدَّهَا، (وَحَلْبِ شَاةٍ)؛ لِلِاخْتِبَارِ، (وَطَحْنِ رَحًى؛ لِلِاخْتِبَارِ)؛ لِأَنَّ ذَلِكَ، لَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِالنَّقْصِ، أَوْ التَّغَيُّرِ. (وَإِنْ أَسْقَطَ) مُشْتَرٍ (حِصَّةَ مَنْ رُدَّ) بِنَقْصِ صِفَةٍ شُرِطَتْ أَوْ تَغَيَّرَ بَعْدَ رُؤْيَةٍ (فَلَا أَرْشَ) لَهُ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ لَا يُعْتَاضُ عَنْهَا، وَكَالْمُسْلَمِ فِيهِ. (وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ حَمْلٍ بِبَطْنٍ) مُفْرَدًا عَنْ أُمِّهِ إجْمَاعًا، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ؛ لِلْجَهَالَةِ بِهِ؛ إذْ لَا تُعْلَمُ حَيَاتُهُ، وَلَا صِفَاتُهُ، وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ (وَهُوَ)؛ أَيْ: بَيْعُ الْحَمْلِ بِالْبَطْنِ (بَيْعُ الْمَضَامِينِ) وَالْمَجْرِ قَالَ ابْنُ خَطِيبِ الدَّهْشَةِ: الْمَضَامِينُ وَالْمَلَاقِيحُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ مَا فِي بُطُونِ النُّوقِ مِنْ الْأَجِنَّةِ، (لِنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْمَجْرِ) قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْمَجْرُ مَا فِي بَطْنِ النَّاقَةِ، وَالْمَجْرُ الرِّبَا، وَالْمَجْرُ الْقِمَارُ، وَالْمَجْرُ الْمُحَاقَلَةُ، وَالْمُزَابَنَةُ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا وَسُكُونِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا. وَلَا بَيْعُ (لَبَنٍ بِضَرْعٍ)، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «نَهَى أَنْ يُبَاعَ صُوفٌ عَلَى ظَهْرٍ، أَوْ لَبَنٍ فِي ضَرْعٍ» رَوَاه الْخَلَّالُ. وَابْنُ مَاجَهْ. وَلِجَهَالَةِ صِفَتِهِ وَقَدْرِهِ، أَشْبَهَ الْحَمْلَ. وَلَا بَيْعُ (نَوًى بِتَمْرٍ)، أَيْ: فِيهِ كَبَيْضٍ فِي طَيْرٍ. وَلَا بَيْعُ (صُوفٍ عَلَى ظَهْرٍ)؛ لِلْخَبَرِ، (إلَّا) إذَا؛ بِيعَ الْحَمْلُ وَاللَّبَنُ وَالنَّوَى وَالصُّوفُ (تَبَعًا) لِأَصْلِهِ؛ بِأَنْ بَاعَ الْأَصْلَ، وَسَكَتَ عَنْ الْفُرُوعِ؛ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ تَبَعًا لِلْحَامِلِ وَذَاتِ اللَّبَنِ وَالتَّمْرِ وَذَاتِ الصُّوفِ، إنْ اتَّحَدَ مَالِكُهُمَا، أَمَّا لَوْ اخْتَلَفَ الْمَالِكُ، كَمَا لَوْ بَاعَ الْوَرَثَةُ أَمَةً مُوصًى بِحَمْلِهَا، فَلَا يَصِحُّ، لِأَنَّ الْحَمْلَ مِلْكٌ لِلْغَيْرِ؛ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ اسْتِثْنَائِهِ لَفْظًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا يَأْتِي فِيمَا إذَا بَاعَ أَمَةً حَامِلًا بِحُرٍّ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهَا؛ لِأَنَّ الْحُرَّ لَيْسَ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ، فَهُوَ مُسْتَثْنًى شَرْعًا. وَيَأْتِي. وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْأَصْلِ مَعَ ذِكْرِ فَرْعِهِ، كَقَوْلِ بَائِعٍ: (بِعْتُكَ هَذِهِ الْبَهِيمَةَ وَحَمْلَهَا)، أَوْ هَذِهِ الشَّاةَ، وَمَا فِي ضَرْعِهَا مِنْ لَبَنٍ، أَوْ مَا عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ صُوفٍ، مِثْلُهُ بِعْتُكَ هَذِهِ (الْأَرْضَ وَمَا فِيهَا مِنْ بَذْرٍ) لِأَنَّهُ قَدْ جَمَعَ بَيْنَ مَعْلُومٍ وَمَجْهُولٍ يَتَعَذَّرُ عِلْمُهُ، فَلَمْ يَصِحَّ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ الْأَصْلَ وَسَكَتَ فَيَتْبَعُهُ الْفَرْعُ؛ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي التَّبَعِيَّةِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِاسْتِقْلَالِ وَكَبَيْعِ الدَّارِ يَتْبَعُهُ أَسَاسَاتُ الْحِيطَانِ. (وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (عَسْبِ فَحْلٍ)، أَيْ: ضِرَابُهُ؛ لِحَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمَضَامِينِ، وَالْمَلَاقِيحِ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْمَلَاقِيحُ مَا فِي الْبُطُونِ- وَهِيَ الْأَجِنَّةُ- وَالْمَضَامِينُ مَا فِي صِلَابِ الْفُحُولِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَبِيعُونَ الْحَمْلَ فِي بَطْنِ النَّاقَةِ، وَالْفَحْلُ يَبِيعُونَ ضِرَابَهُ فِي عَامِهِ أَوْ أَعْوَامِهِ. وَلَا بَيْعُ (نِتَاجِ نِتَاجٍ)، وَيُقَالُ لَهُ: حَبَلُ الْحَبَلَةِ. وَهُوَ أَوْلَى بِعَدَمِ الصِّحَّةِ مِنْ بَيْعِ الْحَمْلِ. (أَوْ)؛ أَيْ: وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ (مَا) قَدْ (تَحْمِلُ هَذِهِ الشَّجَرَةُ أَوْ) مَا قَدْ تَحْمِلُ هَذِهِ الدَّابَّةُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ، وَقَدْ لَا يَحْصُلُ مَعَ أَنَّهُ مَجْهُولٌ أَيْضًا، وَغَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ حَالَ الْبَيْعِ. (وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (مِسْكٍ فِي فَارٍ)- وَهُوَ وِعَاؤُهُ وَسُمِّيَ النَّافِجَةَ- مَا لَمْ يُفْتَحْ وَيُشَاهَدْ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ، كَاللُّؤْلُؤِ فِي الصَّدَفِ هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. (وَلَا) بَيْعُ (لِفْتٍ أَوْ بَصَلٍ، وَنَحْوِهِ)؛ كَثُومٍ، وَفُجْلٍ، وَجَزَرٍ، وَقُلْقَاسٍ (قَبْلَ قَلْعٍ)، نَصًّا؛ لِجَهَالَتِهِ بِاسْتِتَارِ مَا يُرَادُ مِنْهُ فِي الْأَرْضِ، وَلَا يَظْهَرُ إلَّا وَرَقُهُ فَقَطْ. (وَلَا) بَيْعُ (ثَوْبٍ مَطْوِيٍّ)، وَلَوْ قَالَ النَّسْجُ تَامٌّ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى حَيْثُ لَمْ يَرَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى بَقِيَّتِهِ، فَإِنَّ النَّاسَ لَمْ يَزَالُوا فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ وَالْأَعْصَارِ يَتَبَايَعُونَ الثِّيَابَ الْمَطْوِيَّةَ، وَيَكْتَفُونَ بِتَقْلِيبِهِمْ مِنْهَا مَا يَدُلُّ عَلَى بَقِيَّتِهَا، وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِقَوْلِ الْمُغْنِي: وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَنَشَرَهُ، فَوَجَدَهُ مَعِيبًا، فَلَهُ الرَّدُّ، وَالْإِمْسَاكُ وَالْأَرْشُ (فَقَوْلُهُ): فَنَشَرَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَطْوِيًّا، وَكَوْنُهُ يَمْلِكُ (رَدَّهُ) بِالْعَيْبِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ، (أَوْ) ثَوْبٍ (نُسِجَ بَعْضُهُ عَلَى أَنْ يُنْسَجَ بَقِيَّتُهُ)، وَلَوْ مَنْشُورًا؛ لِلْجَهَالَةِ وَالتَّعْلِيقِ (فَإِنْ أَحْضَرَ) بَائِعٌ مَا نَسَجَهُ مِنْ الثَّوْبِ، وَأَحْضَرَ بَقِيَّتَهُ (لُحْمَتَهُ وَبَاعَهَا)، أَيْ: اللُّحْمَةَ (مَعَهُ)؛ أَيْ: مَعَ الثَّوْبِ، (وَشَرَطَ) مُشْتَرٍ (عَلَى بَائِعٍ نَسْجَهُ)، أَيْ: الثَّوْبِ؛ (صَحَّ) الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ؛ إذْ هُوَ اشْتِرَاطُ مَنْفَعَةِ الْبَائِعِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي الشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ. (وَلَا) يَصِحُّ (بَيْعُ عَطَاءٍ): وَهُوَ قِسْطُهُ مِنْ الدِّيوَانِ (قَبْلَ قَبْضِهِ)؛ لِأَنَّهُ مَغِيبٌ، فَيَكُونُ مِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ، (أَوْ)؛ أَيْ: وَلَا بَيْعُ (رُقْعَةٍ بِهِ)؛ أَيْ: الْعَطَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بَيْعُ الْعَطَاءِ دُونَهَا. (وَلَا) يَصِحُّ (بَيْعُ مَعْدِنٍ وَحِجَارَتِهِ) قَبْلَ حَوْزِهِ إنْ كَانَ جَارِيًا. وَتَقَدَّمَ وَكَذَا إنْ كَانَ جَامِدًا وَجُهِلَ. وَلَا يَصِحُّ (سَلَفٌ فِيهِ)؛ أَيْ: الْمَعْدِنِ، نَصًّا؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا فِيهِ، فَهُوَ مِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ. (وَلَا) بَيْعُ (مُلَامِسِهِ، كَبِعْتُكَ ثَوْبِي هَذَا عَلَى أَنَّكَ مَتَى لَمَسْتَهُ) فَعَلَيْكَ بِكَذَا، (أَوْ) عَلَى أَنَّكَ (إنْ لَمَسْتَهُ) فَعَلَيْكَ بِكَذَا، لِأَنَّهُ بَيْعٌ مُعَلَّقٌ، وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ، (أَوْ أَيَّ ثَوْبٍ لَمَسْتَهُ فَعَلَيْكَ بِكَذَا)؛ لِوُرُودِ الْبَيْعِ عَلَى غَيْرِ مَعْلُومٍ. (وَلَا) بَيْعُ (مُنَابَذَةٍ) لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: «نَهَى عَنْ الْمُلَامَسَةِ، وَالْمُنَابَذَةِ» كَقَوْلِهِ (مَتَى) نَبَذْتَ هَذَا الثَّوْبَ فَعَلَيْكَ بِكَذَا (أَوْ إنْ نَبَذْتَ؛) أَيْ: طَرَحْتَ (هَذَا) الثَّوْبَ وَنَحْوَهُ فَلَكَ بِكَذَا (أَوْ أَيَّ ثَوْبٍ نَبَذْتَهُ فَلَكَ بِكَذَا)؛ فَلَا يَصِحُّ، لِلْجَهَالَةِ، أَوْ التَّعْلِيقِ. وَلَا يَصِحُّ (بَيْعُ الْحَصَاةِ كَارْمِهَا فَعَلَى أَيِّ ثَوْبٍ وَقَعَتْ فَهُوَ لَكَ بِكَذَا)، أَوْ بِعْتُكَ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ قَدْرَ مَا تَبْلُغُ هَذِهِ الْحَصَاةُ إذَا رَمَيْتُهَا بِكَذَا، أَوْ بِعْتُكَ هَذَا بِكَذَا عَلَى أَنِّي مَتَى رَمَيْتُ هَذِهِ الْحَصَاةَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ، وَالْجَهَالَةِ، وَتَعْلِيقِ الْبَيْعِ، وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: ( «نُهِيَ عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ»). (وَلَا) يَصِحُّ (بَيْعُ مَا لَمْ يُعَيَّنْ، كَعَبْدٍ مِنْ عَبِيدٍ، وَكَشَاةٍ مِنْ قَطِيعٍ وَكَشَجَرَةٍ مِنْ بُسْتَانٍ)؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَهَالَةِ وَالْغَرَرِ، (وَلَوْ تَسَاوَتْ قِيمَتُهُمْ)، أَيْ: الْعَبِيدِ، وَالشِّيَاهِ، وَالْأَشْجَارِ (وَلَا) بَيْعُ (الْجَمِيعِ إلَّا غَيْرَ مُعَيَّنٍ)؛ بِأَنْ بَاعَ الْعَبِيدَ إلَّا وَاحِدًا مِنْهُمْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، وَالْقَطِيعَ إلَّا شَاةً مُبْهَمَةً، أَوْ الشَّجَرَ إلَّا وَاحِدَةً غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْمَجْهُولِ مِنْ الْمَعْلُومِ يُصَيِّرُهُ مَجْهُولًا، وَقَدْ نُهِيَ عَنْ الِاسْتِثْنَاءِ، إلَّا أَنْ تُعْلَمَ، فَإِنْ عَيَّنَ الْمُسْتَثْنَى؛ صَحَّ الْبَيْعُ وَالِاسْتِثْنَاءُ. (وَلَا) بَيْعُ (شَيْءٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَنَحْوِهَا إلَّا مَا) أَيْ: قَدْرًا مِنْ الْمَبِيعِ (يُسَاوِي دِرْهَمًا)، لِجَهَالَةِ الْمُسْتَثْنَى. (وَيَصِحُّ) بَيْعُ شَيْءٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ مَثَلًا (إلَّا بِقَدْرِ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ) قَوْلِهِ: (بِعْتُكَ تِسْعَةَ أَعْشَارِهِ بِعَشَرَةٍ)، وَذَلِكَ لَا جَهَالَةَ فِيهِ. (وَلَا) يَصِحُّ الْبَيْعُ إنْ قَالَ: (كُلَّمَا أَخَذْتَ قَفِيزًا) مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ وَنَحْوِهَا (فَعَلَيْكَ دِرْهَمٌ، أَوْ) قَالَ: كُلَّمَا (أَوْقَدْت مِنْ) هَذَا (الدُّهْنِ رِطْلًا فَعَلَيْكَ دِرْهَمٌ)؛ لِجَهَالَةِ الْمَأْخُوذِ وَالْمَوْقُودِ ابْتِدَاءً، (خِلَافًا لِلشَّيْخِ) تَقِيِّ الدِّينِ فَإِنَّهُ قَالَ بِالصِّحَّةِ فِيهِمَا، (وَصَحَّ) قَوْلُ شَخْصٍ لِآخَرَ: (كُلَّمَا أَعْتَقْتَ عَبْدًا) مِنْ عَبِيدِك (فَعَلَيَّ ثَمَنُهُ)، فَإِذَا أَعْتَقَ أَحَدًا مِنْهُمْ، صَحَّ الْعِتْقُ وَرَجَعَ عَلَى الْقَائِلِ بِثَمَنِ مِثْلِهِ.
(وَ) يَصِحُّ (بَيْعُ مَا شُوهِدَ مِنْ نَحْوِ حَيَوَانٍ)؛ كَقَطِيعٍ يُشَاهَدُ كُلُّهُ، (وَ) يَصِحُّ بَيْعُ مَا شُوهِدَ مِنْ (ثِيَابٍ) مُعَلَّقَةٍ أَوْ لَا، وَنَحْوِهَا، (وَإِنْ جَهِلَا)؛ أَيْ: الْمُتَعَاقِدَانِ (عَدَدَهُ)؛ أَيْ: الْمَبِيعَ الْمُشَاهَدَ بِالرُّؤْيَةِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ مَعْرِفَتُهُ لَا مَعْرِفَةُ عَدَدِهِ.
(وَ) يَصِحُّ بَيْعُ أَمَةٍ (حَامِلٍ بِحُرٍّ)؛ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ، وَجَهَالَةُ الْحَمْلِ لَا تَضُرُّ وَقَدْ يُسْتَثْنَى بِالشَّرْعِ مَا لَا يُسْتَثْنَى بِاللَّفْظِ، كَبَيْعِ أَمَةٍ مُزَوَّجَةٍ، فَإِنَّ مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ مُسْتَثْنَاةٌ بِالشَّرْعِ، وَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهَا بِاللَّفْظِ.
(وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (حَيَوَانٍ مَذْبُوحٍ)، كَمَا قَبْلَ الذَّبْحِ، (وَ) بَيْعُ (لَحْمِهِ) وَهُوَ (فِي جِلْدِهِ) قَبْلَ سَلْخِهِ عَنْهُ، وَبَيْعُ (جِلْدِهِ وَحْدَهُ) أَيْ: دُونَ لَحْمِهِ. وَيَصِحُّ بَيْعُ (مَا مَأْكُولُهُ فِي جَوْفِهِ، كَرُمَّانٍ وَبَيْضٍ)؛ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى بَيْعِهِ كَذَلِكَ لِفَسَادِهِ إذَا أُخْرِجَ مِنْ قِشْرِهِ.
(وَ) بَيْعُ (بَاقِلَاءَ) وَحِمَّصٍ (وَجَوْزٍ) وَلَوْزٍ (وَنَحْوِهِ)؛ كَفُسْتُقٍ فِي قِشْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مَسْتُورٌ بِحَائِلٍ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ، أَشْبَهَ الْبَيْضَ.
(وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (طَلْعٍ قَبْلَ تَشَقُّقِهِ)، (وَ) بَيْعُ (حَبٍّ مُشْتَدٍّ فِي سُنْبُلِهِ)؛ لِمَا تَقَدَّمَ، وَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ جَعَلَ الِاشْتِدَادَ غَايَةً لِلْمَنْعِ، وَمَا بَعْدَ الْغَايَةِ مُخَالِفٌ لِمَا قَبْلَهَا. (وَيَدْخُلُ السَّاتِرُ) لِنَحْوِ جَوْزٍ [بَلَغَ]، وَحَبٍّ مُشْتَدٍّ، مِنْ قِشْرٍ وَتِبْنٍ (تَبَعًا)، كَنَوَى ثَمَرٍ، (وَيَبْطُلُ بَيْعٌ بِاسْتِثْنَائِهِ)؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَبَيْعِ النَّوَى فِي التَّمْرِ. (وَيَصِحُّ بَيْعُ تِبْنٍ قَبْلَ تَصْفِيَةِ حَبٍّ) مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ؛ كَمَا لَوْ بَاعَ الْقِشْرَ دُونَ مَا دَاخَلَهُ، أَوْ التَّمْرَ دُونَ نَوَاهُ.
(وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (قَفِيزٍ مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ)، وَهِيَ الْكَوْمَةُ الْمَجْمُوعَةُ مِنْ طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ، سُمِّيَتْ صُبْرَةً لِإِفْرَاغِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلسَّحَابِ فَوْقَ السَّحَابِ: صَبِيرٌ، وَيُقَالُ: صَبَرْتُ الْمَتَاعَ إذَا جَمَعْتَهُ، وَضَمَمْتَ بَعْضَهُ إلَى بَعْضٍ، (إنْ تَسَاوَتْ أَجْزَاؤُهَا، وَزَادَتْ عَلَيْهِ)، أَيْ: الْقَفِيزِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ حِينَئِذٍ مُقَدَّرٌ مَعْلُومٌ مِنْ جُمْلَةٍ مُتَسَاوِيَةِ الْأَجْزَاءِ؛ أَشْبَهَ بَيْعَ جُزْءٍ مَشَاعٍ مِنْهَا؛ كَرُبُعِهَا، أَوْ ثُلُثِهَا، سَوَاءٌ عَلِمَا مَبْلَغَ قُفْزَانِهَا، أَوْ جَهِلَاهُ، (وَإِلَّا) تَسَاوَى أَجْزَاؤُهَا (فَلَا) يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي قَفِيزٍ أَوْ أَكْثَرَ حَتَّى يُعَيِّنَهُ، وَكَذَا إنْ لَمْ تَزِدْ عَلَى قَفِيزٍ، وَإِنْ اخْتَلَفَ أَجْزَاؤُهَا؛ (كَصُبْرَةِ بَقَّالٍ)، وَمُحَدَّدٍ مِنْ قَرْيَةٍ إلَى قَرْيَةٍ (بِجَمِيعِ مَا بِيعَ بِهِ) مِنْ بُرٍّ مُخْتَلِفٍ أَوْ صَافٍ، (وَشَعِيرٍ مُخْتَلِفٍ أَوْ صَافٍ) وَبَاعَ قَفِيزًا مِنْهَا، لَمْ يَصِحَّ؛ لِعَدَمِ تَسَاوِي أَجْزَائِهَا الْمُؤَدِّي إلَى الْجَهَالَةِ بِالْقَفِيزِ الْمَبِيعِ. وَيَصِحُّ بَيْعُ (رَطْلٍ) مَثَلًا (مِنْ دَنٍّ) نَحْوِ عَسَلٍ، أَوْ زَيْتٍ، (أَوْ) رَطْلٍ (مِنْ زُبْرَةِ حَدِيدٍ وَنَحْوِهِ)؛ كَرَصَاصٍ وَنُحَاسٍ؛ لِمَا تَقَدَّمَ (وَبِتَلَفِ) الصُّبْرَةِ، أَوْ مَا فِي الدَّنِّ، أَوْ الزُّبْرَةِ (مَا عَدَا قَدْرَ مَبِيعٍ) مِنْ ذَلِكَ (يَتَعَيَّنُ) الْبَاقِي؛ لَأَنْ يَكُونَ مَبِيعًا؛ لِتَعَيُّنِ الْمَحَلِّ لَهُ، وَإِنْ بَقِيَ بَعْضُ الْمَبِيعِ؛ أَخَذَهُ بِقِسْطِهِ، (وَلَوْ فَرَّقَ قُفْزَانًا) مِنْ صُبْرَةٍ تَسَاوَتْ أَجْزَاؤُهَا، (وَبَاعَ) مِنْهَا قَفِيزًا (وَاحِدًا مُبْهَمًا) أَوْ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ (مَعَ تَسَاوِي أَجْزَائِهَا) أَيْ: الْقُفْزَانِ (صَحَّ) الْبَيْعُ، كَمَا لَوْ لَمْ يُفَرِّقْهَا [وَيَصِحُّ بَيْعُ صُبْرَةٍ] جُزَافًا (مَعَ جَهْلِهِمَا) أَيْ: الْمُتَبَايِعَيْنِ، (أَوْ عِلْمِهِمَا) بِقَدْرِهَا؛ لِعَدَمِ التَّغْرِيرِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «كُنَّا نَشْتَرِي الطَّعَامَ مِنْ الرُّكْبَانِ جُزَافًا، فَنَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَبِيعَهُ حَتَّى نَنْقُلَهُ مِنْ مَكَانِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، (وَمَعَ عِلْمِ بَائِعٍ وَحْدَهُ) قَدْرُهَا (يَحْرُمُ) عَلَيْهِ بَيْعُهَا جُزَافًا نَصًّا؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ عَلِمَ مَبْلَغَ شَيْءٍ؛ فَلَا يَبِيعُهُ جُزَافًا حَتَّى يُعَيِّنَهُ»: وَلِأَنَّهُ لَا يَعْدِلُ إلَى الْبَيْعِ جُزَافًا مَعَ عِلْمِهِ بِقَدْرِ الْكَيْلِ إلَّا لِلتَّغْرِيرِ ظَاهِرًا (وَيَصِحُّ) الْبَيْعُ مَعَ التَّحْرِيمِ؛ لِعِلْمِ الْمَبِيعِ بِالْمُشَاهَدَةِ (وَلِمُشْتَرٍ) كَتَمَهُ بَائِعٌ الْقَدْرَ مَعَ عِلْمِهِ بِهِ (الرَّدَّ)؛ لِأَنَّ كَتْمَهُ ذَلِكَ غِشٌّ وَغَرَرٌ، (وَكَذَا) مَعَ (عِلْمِ مُشْتَرٍ وَحْدَهُ) بِقَدْرِ الصُّبْرَةِ؛ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ شِرَاؤُهَا جُزَافًا مَعَ جَهْلِ بَائِعٍ بِهِ، (وَلِبَائِعٍ الْفَسْخُ) بِهِ؛ لِتَغْرِيرِ الْمُشْتَرِي لَهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ مَعْرِفَةُ بَاطِنِ الصُّبْرَةِ الْمُتَسَاوِيَةِ الْأَجْزَاءِ، اكْتِفَاءً بِرُؤْيَةِ ظَاهِرِهَا؛ لِدَلَالَتِهِ عَلَيْهِمَا، وَلَا يُشْتَرَطُ أَيْضًا تَسَاوِي مَوْضِعِهَا؛ لِأَنَّ مَعْرِفَتَهَا لَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ؛ (كَتَدْلِيسٍ)؛ أَيْ: كَمَا يَحْرُمُ عَلَى بَائِعٍ تَدْلِيسُ صُبْرَةٍ؛ (بِجَعْلِ جَيِّدٍ فَوْقَ) رَدِيءٍ؛ كَمَا يَحْرُمُ عَلَى مُشْتَرٍ (عَكْسُهُ)؛ أَيْ: جَعْلُهُ الرَّدِيءَ فَوْقَ الْجَيِّدِ، (أَوْ) جَعَلَ بَائِعٌ الصُّبْرَةَ (فَوْقَ رَبْوَةٍ)، أَوْ دَكَّةٍ، أَوْ حَجَرٍ يُنْقِصُهَا، أَوْ الرَّدِيءَ، أَوْ الْمَبْلُولَ فِي بَاطِنِهَا، كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْغِشِّ مِنْ الْأَرْضِ، (وَعَكْسُهُ) كَجَعْلِ الصُّبْرَةِ عَلَى حُفْرَةٍ، (وَلِمُشْتَرٍ) لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا فَوْقَ رَبْوَةٍ الْخِيَارُ بَيْنَ (فَسْخٍ أَوْ أَخْذِ تَفَاوُتِ) مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الثَّمَنِ، لَكِنْ لَوْ ظَهَرَ أَنَّ بَاطِنَهَا خَيْرٌ مِنْ ظَاهِرِهَا، أَوْ ظَهَرَ تَحْتَهَا حُفْرَةٌ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ بَائِعٌ؛ فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُهُ وَلَا يَضُرُّهُ، وَلِبَائِعٍ الْخِيَارُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْحُفْرَةِ، أَوْ بَانَ بَاطِنُهَا خَيْرًا مِنْ ظَاهِرِهَا، فَلِمَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ، وَأَخْذِ تَفَاوُتِ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الثَّمَنِ؛ بِأَنْ تُقَوَّمَ غَيْرَ مَغْشُوشَةٍ بِهِ، وَيُؤْخَذُ بِقِسْطٍ مَا نَقَصَ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ. (وَيَصِحُّ بَيْعُ صُبْرَةٍ عُلِمَ قُفْزَانُهَا إلَّا قَفِيزًا)، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «نَهَى عَنْ الثُّنْيَا إلَّا أَنْ تُعْلَمَ»، وَهَذِهِ مَعْلُومَةٌ، وَإِنْ قَالَ: بِعْتُكَ قَفِيزًا مِنْ صُبْرَةٍ إلَّا مَكُّوكًا؛ جَازَ، وَصَحَّ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُمَا مِكْيَالَانِ مَعْلُومَانِ، وَاسْتِثْنَاءُ الْمَعْلُومِ صَحِيحٌ، قَالَ الْحَجَّاوِيُّ فِي حَاشِيَتِه: الْقَفِيزُ ثَمَانِيَةُ مَكَاكِيكَ، وَالْمَكُّوكُ صَاعٌ وَنِصْفٌ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهَا (إنْ لَمْ تُعْلَمُ) قُفْزَانُهَا، وَاسْتَثْنَى مِنْهَا قَفِيزًا؛ لِأَنَّ جَهْلَ قُفْزَانِهَا يُؤَدِّي إلَى جَهْلِ مَا يَبْقَى بَعْدَ الْمُسْتَثْنَى؛ كَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُ (ثَمَرَةِ شَجَرَةٍ إلَّا صَاعًا)؛ لِجَهَالَةِ آصُعِهَا، فَتُؤَدِّي إلَى جَهَالَةِ مَا يَبْقَى بَعْدَ الصَّاعِ. (وَيَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ مُشَاعٍ) مِنْ صُبْرَةٍ، أَوْ ثَمَرَةِ بُسْتَانٍ، (كَثُلُثٍ وَثُمُنٍ)؛ لِلْعِلْمِ بِالْمَبِيعِ وَالثُّنْيَا. (وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (نِصْفِ دَارِهِ الَّذِي يَلِيهِ)؛ أَيْ: الْمُشْتَرِي، (قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي إلَى أَيْنَ يَنْتَهِي) قِيَاسُ النِّصْفِ؛ فَيُؤَدِّي إلَى الْجَهَالَةِ؛ كَمَا لَوْ بَاعَهُ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ مِنْ ثَوْبٍ، أَوْ أَرْضٍ وَعَيَّنَ ابْتِدَاءَهَا دُونَ انْتِهَائِهَا، فَإِنْ بَاعَهُ نِصْفَ دَارِهِ الَّتِي تَلِيهِ عَلَى الشُّيُوعِ؛ صَحَّ. وَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ، وَأَرَاهُ حُدُودَهَا؛ صَحَّ الْمَبِيعُ، أَوْ بَاعَهُ جُزْءًا مُشَاعًا مِنْهَا؛ كَخُمُسٍ أَوْ نَحْوِهِ، أَوْ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ مِنْهَا، وَعَيَّنَ الِابْتِدَاءَ وَالِانْتِهَاءَ؛ صَحَّ؛ لِانْتِفَاءِ الْمَانِعِ. وَإِنْ قَالَ: بِعْتُكَ نَصِيبِي مِنْ هَذِهِ الدَّارِ، وَجَهِلَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا؛ لَمْ يَصِحَّ (وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (دَارٍ لَمْ يَرَهَا، وَلَمْ يَعْرِفْ حُدُودَهَا)؛ لِلْجَهَالَةِ وَالْغَرَرِ. (وَيَتَّجِهُ أَنَّهُ يَصِحُّ) الْبَيْعُ (فِي جَرِيبٍ) غَيْرِ مُعَيَّنٍ (مِنْ أَرْضٍ مُتَسَاوِيَةٍ) جُرْبَانُهَا، (أَوْ ذِرَاعٍ) غَيْرِ مُعَيَّنٍ (مِنْ ثَوْبٍ مُتَسَاوٍ) نَسْجُهُ (إنْ زَادَ) مَا بَقِيَ مِنْ الْأَرْضِ أَوْ الثَّوْبِ (عَلَيْهِ)؛ أَيْ: عَلَى الْجَرِيبِ، أَوْ الذِّرَاعِ، (وَلَوْ لَمْ يَعْلَمَا) أَيْ: الْمُتَبَايِعَانِ (ذَرْعَهُمَا)؛ أَيْ: الْأَرْضِ أَوْ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ اسْتِخْرَاجُهُمَا بِالذَّرْعِ: كَالصُّبْرَةِ الْمُتَسَاوِيَةِ الْأَجْزَاءِ، (خِلَافًا لَهُمَا)؛ أَيْ: لِلْمُنْتَهَى وَالْإِقْنَاعِ كَذَا قَالَ وَعِبَارَةُ الْإِقْنَاعِ: أَوْ جَرِيبًا مِنْ أَرْضٍ وَهُمَا يَعْلَمَانِ جُرْبَانَهَا؛ صَحَّ، وَكَانَ مُشَاعًا فِيهَا، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ، وَكَذَا الثَّوْبُ وَعِبَارَةُ الْمُنْتَهَى: وَلَا جَرِيبَ مِنْ أَرْضٍ، أَوْ ذِرَاعَ مِنْ ثَوْبٍ مُبْهَمًا، إلَّا إنْ عَلِمَا ذَرْعَهُمَا، وَعِبَارَةُ الْمُسْتَوْعِبِ: وَإِنْ كَانَا يَجْهَلَانِ مَبْلَغَ أَذْرُعِ الدَّارِ؛ لَمْ يَصِحَّ الْمَبِيعُ، مَعَ كَوْنِ الْمَبِيعِ مَعْلُومَ الْقَدْرِ مُشَاعًا مِنْ جُمْلَةٍ مَعْلُومَةٍ بِالْإِشَارَةِ، بِخِلَافِ الصُّبْرَةِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ الْجَرِيبِ: وَإِنْ كَانَ مَنْشُورًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الدَّارِ فِيمَا ذَكَرْنَا. وَعِبَارَةُ الْفُرُوعِ: وَإِنْ بَاعَ ذِرَاعًا مُبْهَمًا مِنْ أَرْضٍ، أَوْ ثَوْبٍ؛ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ، بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ، قَالَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُعَيَّنًا، وَلَا مُشَاعًا، إلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَذْرُعُ الْكُلِّ؛ فَيَصِحُّ، إذَا تَقَرَّرَ أَنَّ مَا جَزَمَا بِهِ هُوَ الْأَصَحُّ؛ فَلِلْمُتَعَاقِدِينَ التَّبَايُعُ مَعَ عِلْمِهِمَا قَدْرَ الْأَذْرُعِ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَتْنِ كَعِبَارَةِ الْمُنْتَهَى حَرْفًا بِحَرْفٍ، وَعَلَيْهِ؛ فَلَا مُخَالَفَةَ، (وَيَكُونُ) الْجَرِيبُ أَوْ الذِّرَاعُ (مُشَاعًا)؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ أَوْ الثَّوْبُ مَثَلًا عَشَرَةً، وَبَاعَهُ وَاحِدًا مِنْهَا؛ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ بَيْعِ الْعَشَرَةِ، (كَمَا يَصِحُّ) اسْتِثْنَاءُ جَرِيبٍ مِنْ أَرْضٍ، وَذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ إذَا كَانَ الْمُسْتَثْنَى (مُعَيَّنًا بِابْتِدَاءٍ وَانْتِهَاءٍ مَعًا) لِأَنَّهَا ثُنْيَا مَعْلُومَةٌ، فَإِنْ عَيَّنَ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ؛ لَمْ يَصِحَّ. (ثُمَّ إنْ نَقَصَ ثَوْبٌ بِقَطْعٍ، وَلَا شَرْطَ)؛ بِأَنْ لَمْ يَشْتَرِطَا قَطْعَهُ، (وَتَشَاحَّا) فِي قَطْعِهِ؛ (كَانَا شَرِيكَيْنِ) فِي الثَّوْبِ، وَلَا فَسْخَ، وَلَا قَطْعَ، بَلْ يُبَاعُ، وَيُقَسَّمُ ثَمَنُهُ عَلَى قَدْرِ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ شَرَطَ قَطْعَ الثَّوْبِ، أَوْ كَانَ الْقَطْعُ لَا يَنْقُصُهُ، قَطَعَاهُ. (وَكَذَا خَشَبَةٌ بِسَقْفٍ، وَفَصٌّ لِخَاتَمٍ) بِيعَا، وَنَقَصَ السَّقْفُ أَوْ الْخَاتَمُ بِالْقَلْعِ، فَيُبَاعُ السَّقْفُ بِالْخَشَبَةِ، وَالْخَاتَمُ بِفَصِّهِ، وَيُقَسَّمُ الثَّمَنُ بِالْمُحَاصَّةِ. (وَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ حَمْلٍ مَبِيعٍ) مِنْ أَمَةٍ، أَوْ بَهِيمَةٍ مَأْكُولَةٍ أَوْ لَا، (أَوْ) اسْتِثْنَاءُ (شَحْمِهِ)؛ أَيْ: الْمَبِيعِ الْمَأْكُولِ؛ لِأَنَّهُمَا مَجْهُولَانِ، وَقَدْ نُهِيَ عَنْ الثُّنْيَا إلَّا أَنْ تُعْلَمَ، (أَوْ) اسْتِثْنَاءُ (نَحْوِ رَطْلِ شَحْمٍ، أَوْ لَحْمٍ)، كَرَطْلٍ مِنْ أَلْيَةٍ مِنْ مَأْكُولٍ؛ فَلَا يَصِحُّ؛ لِجَهَالَةِ مَا يَبْقَى، وَكَذَا اسْتِثْنَاءُ كَسْبِ سِمْسِمٍ مَبِيعٍ، أَوْ شَيْرَجَةٍ، أَوْ حَبِّ قُطْنٍ لِلْجَهَالَةِ. (أَوْ) اسْتِثْنَاءُ (نَحْوِ طِحَالٍ وَكَبِدٍ)، كَقَلْبٍ وَكُلَى؛ فَلَا يَصِحُّ؛ لِلْجَهَالَةِ، (إلَّا رَأْسَ مَأْكُولٍ، وَجِلْدَهُ، وَأَطْرَافَهُ)؛ فَيَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهَا نَصًّا، حَضَرًا وَسَفَرًا؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَمَّا هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، مَرُّوا بِرَاعِي غَنَمٍ، فَذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ وَعَامِرٌ فَاشْتَرَيَا مِنْهُ شَاةً، وَاشْتَرَطَا لَهُ سَلَبَهَا». (وَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ مَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ مُفْرَدًا، إلَّا فِي هَذِهِ) الصُّورَةِ؛ لِلْخَبَرِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي هَذِهِ دُونَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ اسْتِبْقَاءٌ، وَهُوَ مُخَالِفٌ ابْتِدَاءً لِعَقْدٍ؛ بِدَلِيلِ عَدَمِ صِحَّةِ نِكَاحِ الْمُعْتَدَّةِ مِنْ غَيْرِهِ، وَعَدَمِ انْفِسَاخِ نِكَاحِ زَوْجَةٍ وُطِئَتْ بِنَحْوِ شُبْهَةٍ. (وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ) الْمُسْتَثْنَى فِيهِ مَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ مُفْرَدًا، إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ، (وَلَوْ بَاعَ فِي هَذِهِ) الصُّورَةِ (مَا اسْتَثْنَاهُ) مِنْ الْجِلْدِ وَالرَّأْسِ وَالْأَطْرَافِ (مُفْرَدًا)؛ أَيْ: مُسْتَقِلًّا؛ (لَمْ يَصِحَّ) الْبَيْعُ، كَبَيْعِ الصُّوفِ عَلَى الظَّهْرِ، (وَلَعَلَّ الْمُرَادَ) بِعَدَمِ الصِّحَّةِ (مَا لَمْ تُبَعْ) رَأْسٌ وَأَطْرَافٌ (لِمَالِكِ الْأَصْلِ)؛ أَيْ: الذَّبِيحَةِ، فَإِنْ كَانَتْ الذَّبِيحَةُ لَهُ، وَاشْتَرَى أَطْرَافَهَا قَبْلَ أَنْ تُذْبَحَ؛ صَحَّ؛ كَبَيْعِ (ثَمَرَةٍ) قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا لِمَنْ الْأَصْلُ لَهُ. (قَالَهُ فِي الْإِقْنَاعِ ) وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِهِ فِي الْإِنْصَافِ، (وَلَوْ أَبَى مُشْتَرٍ ذَبْحَهُ)، أَيْ: الْمَأْكُولِ الْمُسْتَثْنَى جِلْدُهُ وَرَأْسُهُ وَأَطْرَافُهُ، (وَلَمْ يَشْتَرِطْ) الْبَائِعُ عَلَيْهِ ذَبْحَهُ فِي الْعَقْدِ؛ (لَمْ يُجْبَرْ) مُشْتَرٍ عَلَى ذَبْحِهِ؛ لِتَمَامِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ، (وَتَلْزَمُهُ)؛ أَيْ: الْمُشْتَرِيَ (قِيمَةُ ذَلِكَ) الْمُسْتَثْنَى نَصًّا (تَقْرِيبًا)، فَإِنْ شَرَطَ بَائِعٌ عَلَى مُشْتَرٍ ذَبْحَهُ؛ لَزِمَهُ ذَبْحُهُ، وَدَفَعَ الْمُسْتَثْنَى لِبَائِعٍ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى ذَلِكَ، فَالتَّسْلِيمُ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ. (وَلَهُ)؛ أَيْ: الْمُشْتَرِي (الْفَسْخُ بِعَيْبٍ يَخْتَصُّ الْمُسْتَثْنَى)؛ كَعَيْبٍ بِرَأْسِهِ؛ أَوْ جِلْدِهِ؛ لِأَنَّ الْجَسَدَ شَيْءٌ وَاحِدٌ، يَتَأَلَّمُ كُلُّهُ بِتَأَلُّمِ بَعْضِهِ.